كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة: والشعبي: وكذلك كانت هذه النملة القائلة ذات جناحين.
وأورد المفسرون مما ذكروا: أن سليمان عليه السلام أخبر عن كثير من الطير بأنواع من الكلام، تقديس لله تعالى وعظات، وعبر ما الله أعلم بصحته.
{وأوتينا من كل شيء} ظاهره العموم، والمراد الخصوص، أي من كل شيء يصلح لنا ونتمناه، وأريد به كثرة ما أوتي، فكأنه مستغرق لجميع الأشياء.
كما تقول: فلان يقصده كل أحد، يريد كثرة قصاده، وهذا كقوله تعالى في قصة بلقيس: {وأوتيت من كل شيء} وبنى علمنا وأوتينا للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وهو الله تعالى.
وكانا مسندين لنون العظمة لا لتاء المتكلم، لأنه إما إن أراد نفسه وأباه، أو لما كان ملكًا مطاعًا خاطب أهل طاعته ومملكته بحاله التي هو عليها، لا على سبيل التعاظم والتكبر.
{إن هذا لهو الفضل المبين} إقرار بالنعمة وشكر لها ومحمدة.
روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرون للجن، ومثلها للإنس، ومثلها للطير، ومثلها للوحش، وألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلاثمائة منكوحة، وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجن بساطًا من ذهب وإبريسم فرسخًا في فرسخ، ومنبره في وسطه من ذهب، فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، تقعد الأنبياء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط، فتسير به مسيرة شهر، وتفصيل هذه الأشياء يحتاج إلى صحة نقل، وكان ملكه عظيمًا، ملأ الأرض، وانقاد له أهل المعمور منها.
وتقدم لنا أنه ملك الأرض بأسرها أربعة: مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: بختنصر ونمروذ.
وحشر الجنود يقتضي سفرًا وفسر الجنود أنهم الجن والإنس والطير، وذكر المفسرون الوحش رابعًا.
{فهم يوزعون} يحشر أولهم على آخرهم، أي يوقف متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون، لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة، أو يكفون عن المسير حتى يجتمعوا.
وقيل: يجتمعون من كل جهة.
وقيل: يساقون.
وقيل: يدفعون.
وقيل: يحبسون.
كانت الجيوش تسير معه إذا سار، وينزل إذا نزل.
{حتى إذا أتوا} هذه غاية لشيء مقدر، أي وساروا حتى إذا أتوا، أو يضمن يوزعون معنى فعل يقتضي أن تكون حتى غاية له، أي فهم يسيرون مكنوفًا بعضهم من مفارقة بعض.
وعدى أتوا بعلى، إما لأن إتيانهم كان من فوق، وإما أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم: أتى على الشيء، إذا أتى على آخره وأنفذه، كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي، لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم، قاله الزمخشري.
قال ابن عطية: والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة في الأرض، ولذلك يتهيأ حطم النمل بنزولهم في وادي النمل.
ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح، فأحست النمل بنزولهم في وادي النمل، ووادي النمل قيل بالشام.
وقيل: بأقصى اليمن، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها.
وقال كعب: وادي السدر من الطائف.
والظاهر صدور القول من النملة، وفهم سليمان كلامها، كما فهم منطق الطير.
قال مقاتل: من ثلاثة أميال.
وقال الضحاك بلغته: الريح كلامها.
قال ابن بحر: نطقت بالصوت معجزة لسليمان، ككلام الضب والذراع للرسول.
وقيل: فهمه إلهامًا من الله، كما فهمه جنس النمل، لا أنه سمع قولًا.
وقال الكلبي: أخبره ملك بذلك.
قال الشاعر:
لو كنت أوتيت كلام الحكل ** علم سليمان كلام النمل

والحكل: ما لا يسمع صوته.
وذكروا اختلافًا في صغر النملة وكبرها، وفي اسمها العلم ما لفظه.
وليت شعري، من الذي وضع لها لفظًا يخصها، أبنو آدم أم النمل؟ وقالوا: كانت نملة عرجاء، ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنث، بل يصح أن يقال في المذكر: قالت نملة، لأن نملة، وإن كان بالتاء، هو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث.
وما كان كذلك، كالنملة والقملة، مما بينه في الجمع وبين واحدة من الحيوان تاء التأنيث، فإنه يخبر عنه إخبار المؤنث، ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى، لأن التاء دخلت فيه للفرق، لا دالة على التأنيث الحقيقي، بل دالة على الواحد من هذا الجنس.
وقال الزمخشري، وعن قتادة: أنه دخل الكوفة، فالتف عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم.
وكان أبو حنيقة حاضرًا، وهو غلام حدث، فقال: سلوه عن نملة سليمان، أكانت ذكرًا أم أنثى: فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى.
فقيل له: من أين عرفت؟ فقال: من كتاب الله، وهو قوله: {قالت نملة}، ولو كان ذكرًا لقال قال نملة.
قال الزمخشري: وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم: حمامة ذكر وحمامة أنثى، وهو وهي. انتهى.
وكان قتادة بن دعامة السدوسي بصيرًا بالعربية، وكونه أفحم، يدل على معرفته باللسان، إذ علم أن النملة يخبر عنها إخبار المؤنث، وإن كانت تنطلق على الأنثى والذكر، إذ هو مما لا يتميز فيه أحد هذين، فتذكيره وتأنيثه لا يعلم ذلك من إلحاق العلامة للفعل فتوقف، إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله.
وأما استنباط تأنيثه من كتاب الله من قوله: {قالت نملة}، ولو كان ذكرًا لقال: قال نملة، وكلام النحاة على خلافه، وأنه لا يخبر عنه إلا إخبار المؤنث، سواء كان ذكرًا أم أنثى.
وأما تشبيه الزمخشري النملة بالحمامة والشاة، فبينهما قدر مشترك، وهو إطلاقهما على الذكر والمؤنث، وبينهما فرق، وهو أن الحمامة والشاة يتميز فيهما المذكر من المؤنث، فيمكن أن تقول: حمامة ذكر وحمامة أنثى، فتميز بالصفة.
وأما تمييزه بهو وهي، فإنه لا يجوز.
لا تقول: هو الحمامة، ولا هو الشاة؛ وأما النملة والقملة فلا يتيمز فيه المذكر من المؤنث، فلا يجوز فيه في الإخبار إلا التأنيث، وحكمه حكم المؤنث بالتاء من الحيوان العاقل نحو: المرأة، أو غير العاقل كالدابة، إلا أن وقع فصل بين الفعل وبين ما أسند إليه من ذلك، فيجوز أن تلحق العلامة الفعل، ويجوز أن لا تلحق، على ما قرر ذلك في باب الإخبار عن المؤنث في علم العربية.
وقرأ الحسن، وطلحة، ومعتمر بن سليمان، وأبو سليمان التيمي: نملة، بضم الميم كسمرة، وكذلك النمل، كالرجلة والرجل لعتان.
وعن سليمان التيمي: نمل ونمل بضم النون والميم، وجاء الخطاب بالأمر، كخطاب من يعقل في قوله: {ادخلوا} وما بعده، لأنها أمرت النمل كأمر من يعقل، وصدر من النمل الامتثال لأمرها.
وقرأ شهر بن حوشب: مسكنكم، على الإفراد.
وعن أبيّ: أدخلن مساكنكن لا يحطمنكم: مخففة النون التي قبل الكاف.
وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وعيسى بن عمر الهمداني، الكوفي، ونوح القاضي: بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون، مضارع حطم مشددًا.
وعن الحسن: بفتح الياء وإسكان الحاء وشد الطاء، وعنه كذلك مع كسر الحاء، وأصله: لا يحتطمنكم من الاحتطام.
وقرأ ابن أبي إسحاق، وطلحة، ويعقوب، وأبو عمرو في رواية عبيد: كقراءة الجمهور، إلا أنهم سكنوا نون التوكيد.
وقرأ الأعمش: بحذف النون وجزم الميم، والظاهر أن قوله: {لا يحطمنكم}، بالنون خفيفة أو شديدة، نهي مستأنف، وهو من باب: لا أرينك ههنا، نهت غير النمل، والمراد النمل، أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم، ولا تكن هنا فأراك.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لا يحطمنكم ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جوابًا للأمر، وأن يكون هنا بدلًا من الأمر، والذي جوز أن يكون بدلًا منه، لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم على طريقة لا أرينك ههنا، أرادت لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاءت بما هو أبلغ ونحوه: عجبت من نفسي ومن إشفاقها. انتهى.
وأما تخريجه على أنه أمر، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الأعمش، إذ هو مجزوم، مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نفي، وأما مع وجود نون التوكيد، فإنه لا يجوز ذلك إلا إن كان في الشعر.
وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر، فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلا في الشعر.
وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في النحو، ومثال مجيء نون التوكيد في جواب الشرط، قول الشاعر:
نبتم نبات الخيزرانة في الثرى ** حديثًا متى يأتك الخير ينفعا

وقول الآخر:
مهما تشا منه فزارة يعطه ** ومهما تشا منه فزارة يمنعا

قال سيبويه: وذلك قليل في الشعر، شبهوه بالنفي حيث كان مجزومًا غير واجب. انتهى.
وقد تنبه أبو البقاء لشيء من هذا قال: وقيل هو جواب الأمر، وهو ضعيف، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار.
وأما تخريجه على البدل فلا يجوز، لأن مدلول {لا يحطمنكم} مخالف لمدلول {ادخلوا}.
وأما قوله: لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، والبدل من صفة الألفاظ.
نعم لو كان اللفظ القرآني لا تكونوا حيث أنتم لا يحطمنكم لتخيل فيه البدل، لأن الأمر بدخول المساكن نهى عن كونهم في ظاهر الأرض.
وأما قوله: أنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان. إلى آخر، فيسوغ زيادة الأسماء، وهو لا يجوز، بل الظاهر إسناد الحطم إليه وإلى جنوده، وهو على حذف مضاف، أي خيل سليمان وجنوده، أو نحو ذلك مما يصح تقديره.
{وهم لا يشعرون} جملة حالية، أي إن وقع حطم، فليس ذلك بتعمد منهم، إنما يقع وهم لا يعلمون بحطمنا، كقوله: {فتصيبكم منهم معرّة بغير علم} وهذا التفات حسن، أي من عدل سليمان وأتباعه ورحمته ورفقه أن لا يحطم نملة فما فوقها إلا بأن لا يكون لهم شعور بذلك.
وما أحسن ما أتت به هذه النملة في قولها وأغربه وأفصحه وأجمعه للمعاني، أدركت فخامة ملك سليمان، فنادت وأمرت وأنذرت.
وذكروا أنه جزى بينها وبين سليمان محاورات، وأهدت له نبقة، وأنشدوا أبياتًا في حقارة ما يهدى إلى العظيم، والاستعذار من ذلك، ودعاء سليمان للنمل بالبركة، والله أعلم بصحة ذلك أو افتعاله.
والنمل حيوان قوي الحس شمام جدًا، يدخر القوت، ويشق الحبة قطعتين لئلا تنبت، والكزبرة بأربع، لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت، وتأكل في عامها بعض ما تجمع، وتدخر الباقي عدة.
وفي الحديث: «النهي عن قتل أربع من الدواب: الهدهد والصرد والنملة والنحلة» خرجه أبو داود عن ابن عباس.